فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب، على شرط مسلم، وهو قول غريب جدًّا، وإلى هذا ذهب داود بن علي الظاهري وأصحابه. وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك، رحمه الله، واختاره ابن حزم، وحكى لي شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي أنه عَرَض هذا على الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية، رحمه الله، فاستشكله، وتوقف في ذلك، والله أعلم.
وقال ابن المنذر: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا الأثرم، عن أبي عبيدة قوله: {اللاتِي فِي حُجُورِكُم} قال: في بيوتكم.
وأما الربيبة في ملك اليمين فقد قال الإمام مالك بن أنس، عن ابن شهاب: أن عمر بن الخطاب سُئلَ عن المرأة وبنتها من ملك اليمين توطأ إحداهما بعد الأخرى؟ فقال عمر: ما أحب أن أخبرهما جميعًا. يريد أن أطَأهُمَا جميعا بملك يميني. وهذا منقطع.
وقال سُنَيد بن داود في تفسيره: حدثنا أبو الأحوص، عن طارق بن عبد الرحمن عن قيس قال: قلت لابن عباس: أيقع الرجل على امرأة وابنتها مملوكين له؟ فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية، ولم أكن لأفعله.
قال الشيخ أبو عُمَر بن عبد البر، رحمه الله: لا خلاف بين العلماء أنَّه لا يحل لأحد أن يطأ امرأة وابنتها من ملك اليمين، لأن الله حرم ذلك في النكاح، قال: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} وملك اليمين هم تبع للنكاح، إلا ما روي عن عُمَر وابن عباس، وليس على ذلك أحد من أئمة الفتوى ولا من تبعهم. وروى هشام عن قتادة: بنت الربيبة وبنت ابنتها لا تصلح وإن كانت أسفل ببطون كثيرة. وكذا قال قتادة عن أبي العالية. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَائِكُمُ اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} هذا مستقل بنفسه.
ولا يرجع قوله: {مِّن نِّسَائِكُمُ اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} إلى الفريق الأوّل، بل هو راجع إلى الربائب، إذ هو أقرب مذكور كما تقدّم.
والربيبة: بنت امرأة الرجل من غيره؛ سميت بذلك لأنه يربيها في حِجره فهي مربوبة، فعيلة بمعنى مفعولة.
واتفق الفقهاء على أن الربيبة تحرم على زوج أُمها إذا دخل بالأُم، وإن لم تكن الربيبة في حجره.
وشذّ بعض المتقدّمين وأهل الظاهر فقالوا: لا تحرم عليه الربيبة إلاَّ إن تكون في حجر المتزوّج بأُمها؛ فلو كانت في بلد آخر وفارق الأُم بعد الدخول فله أن يتزوّج بها؛ واحتجوا بالآية فقالوا: حرّم الله تعالى الربيبة بشرطين: أحدهما أن تكون في حِجر المتزوّج بأُمّها.
والثاني الدخول بالأُمّ؛ فإذا عدم أحد الشرطين لم يوجد التحريم.
واحتجوا بقوله عليه السَّلام: «لو لم تكن ربيبتي في حِجري ما حلّت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة» فشرط الحجر.
ورووا عن عليّ بن أبي طالب إجازة ذلك.
قال ابن المنذر والطحاوي: أما الحديث عن عليّ فلا يثبت؛ لأن روايه إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس عن عليّ، وإبراهيم هذا لا يعرف، وأكثر أهل العلم قد تلقوه بالدفع والخلاف.
قال أبو عبيد: ويدفعه قوله: «فلا تَعْرِضن عليّ بناتِكن ولا أخواتِكن» فعمّ.
ولم يقل: اللائي في حجري، ولكنه سوّى بينهنّ في التحريم.
قال الطحاوي: وإضافتهنّ إلى الحجور إنما ذلك على الأغلب مما يكون عليه الرّبائب؛ لا أنهنّ لا يحرمْن إذا لم يكنّ كذلك. اهـ.
قال القرطبي:
قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} يعني بالأُمهات.
{فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} يعني في نكاح بناتهنّ إذا طلقتموهنّ أو متْنَ عنكم.
وأجمع العلماء على أن الرجل إذا تزوّج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حلّ له نكاحُ ابنتها.
واختلفوا في معنى الدّخول بالأُمّهات الذي يقع به تحريم الرّبائب؛ فروِي عن ابن عباس أنه قال: الدّخول الجماع؛ وهو قول طاوس وعمرو بن دِينار وغيرهما.
واتفق مالك والثَّوّريْ وأبو حنيفة والأوزاعيّ والليث على أنه إذا مسها بشهوة حَرُمت عليه أُمّها وابنتها وحَرُمت على الأب والابن، وهو أحد قولي الشافعيّ.
واختلفوا في النظر؛ فقال مالك: إذا نظر إلى شعرها أو صدرها أو شيءٍ من محاسِنها لِلذة حرمت عليه أُمّها وابنتها.
وقال الكوفيون: إذا نظر إلى فرجها للشَّهوة كان بمنزلة اللَّمس للشهوة.
وقال الثَّوْريّ: يحرم إذا نظر إلى فرجها متعمدًا أو لمسها؛ ولم يذكر الشهوة.
وقال ابن أبي لَيْلَى: لا تحرم بالنظر حتى يلمس؛ وهو قول الشافعيّ.
والدليل على أن بالنظر يقع التحريم أن فيه نوع استمتاع فجرى مجرى النكاح؛ إذ الأحكام تتعلق بالمعاني لا بالألفاظ.
وقد يحتمل أن يُقال: إنه نوع من الاجتماع بالاستمتاع؛ فإن النظر اجتماع ولقاء، وفيه بين المحِبّين استمتاع؛ وقد بالغ في ذلك الشعراء فقالوا:
أليس الليل يجمع أُمّ عمروٍ ** وإيانا فذاك بنا تَدانِ

نعم، وترى الهِلال كما أراه ** ويعلوها النهار كما عَلانِي

فكيف بالنظر والمجالسة والمحادثة واللذة. اهـ.

.قال الفخر:

تمسك أبو بكر الرازي في إثبات أن الزنا يوجب حرمة المصاهرة بقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتى في حُجُورِكُمْ مّن نِّسَائِكُمُ اللاتى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} قال: لأن الدخول بها اسم لمطلق الوطء سواء كان الوطء نكاحا أو سفاحا، فدل هذا على أن الزنا بالأم يوجب تحريم البنت، وهذا الاستدلال في نهاية الضعف، وذلك لأن هذه الآية مختصة بالمنكوحة لدليلين: الأول: أن هذه الآية إنما تناولت امرأة كانت من نسائه قبل دخوله بها والمزني بها ليست كذلك، فيمتنع دخولها في الآية بيان الأول من وجهين: الأول: أن قوله: {مّن نِّسَائِكُمُ اللاتى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} يقتضي أن كونها من نسائه يكون متقدما على دخوله بها، والثاني: أنه تعالى قسم نساءهم إلى من تكون مدخولا بها، وإلى من لا تكون كذلك، بدليل قوله: {فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} وإذا كان نساؤهم منقسمة إلى هذين القسمين علمنا أن كون المرأة من نسائه أمر مغاير للدخول بها، وأما بيان أن المزنية ليست كذلك، فذلك لأن في النكاح صارت المرأة بحكم العقد من نسائه سواء دخل بها أو لم يدخل بها، أما في الزنا فإنه لم يحصل قبل الدخول بها حالة أخرى تقتضي صيرورتها من نسائه، فثبت بهذا أن المزنية غير داخلة في هذه الآية.
الثاني: لو أوصى لنساء فلان، لا تدخل هذه الزانية فيهن، وكذلك لو حلف على نساء بني فلان، لا يحصل الحنث والبر بهذه الزانية، فثبت ضعف هذا الاستدلال والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ}، الحلائِل جمع حَلِيلة، وهي الزوجة.
سُميت حليلة لأنها تَحِل مع الزوج حيث حلّ؛ فهي فعيلة بمعنى فاعلة.
وذهب الزجاج وقوم إلى أنها من لفظة الحلال؛ فهي حليلة بمعنى محلّلة.
وقيل: لأن كل واحد منهما يَحُل إزار صاحبه.
أجمع العلماء على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء، وما عقد عليه الأبناء على الآباء، كان مع العقد وطء أو لم يكن؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النساء} وقوله تعالى: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أَصْلاَبِكُمْ}؛ فإن نكح أحدهما نكاحًا فاسدًا حَرُم على الآخر العقدُ عليها كما يحرُم بالصحيح؛ لأن النكاح الفاسد لا يخلو: إما أن يكون مُتَّفَقًا على فساده أو مختلفًا فيه.
فإن كان متّفقًا على فساده لم يوجِب حُكمًا وكان وجوده كعدمه.
وإن كان مختلَفًا فيه فيتعلّق به من الحرمة ما يتعلّق بالصحيح؛ لاحتمال أن يكون نكاحًا فيدخل تحت مطلق اللفظ.
والفروج إذا تعارض فيها التحريم والتحليل غُلِّب التحريم. والله أعلم.
قال ابن المنذِر: أجمع كلّ من يحفظ عنه من علماء الأمصار على أن الرجل إذا وطِئ امرأة بنكاح فاسد أنها تحرُم على أبيه وابنه وعلى أجداده وولد ولده.
وأجمع العلماء على أن عقد الشراء على الجارية لا يحرّمها على أبيه وابنه؛ فإذا اشترى الرجل جارية فلمس أو قبّل حَرُمت على أبيه وابنه، لا أعلمهم يختلفون فيه؛ فوجب تحريم ذلك تسليمًا لهم.
ولما اختلفوا في تحريمها بالنظر دون اللّمس لم يجز ذلك لاختلافهم.
قال ابن المنذِر؛ ولا يصحّ عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلناه.
وقال يعقوب ومحمد: إذا نظر رجل في فرج امرأة من شهوة حَرُمت على أبيه وابنه، وتحرُم عليه أُمّها وابنتها.
وقال مالك: إذا وَطِئ الأمة أو قَعد منها مقعدًا لذلك وإن لم يُفْض إليها، أو قبّلها أو باشرها أو غمزها تلذُّذًا فلا تحلّ لابنه.
وقال الشافعيّ: إنما تحرُم باللمس ولا تحرُم بالنظر دون اللمس؛ وهو قول الأوزاعيّ. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

قال الشافعي- رحمه الله-: لا يجوز للأب أن يتزوج بجارية ابنه، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: إنه يجوز، احتج الشافعي فقال: جارية الابن حليلة، وحليلة الابن محرمة على الأب، أما المقدمة الأولى فبيانها بالبحث عن الحليلة فنقول: الحليلة فعيلة فتكون بمعنى الفاعل أو بمعنى المفعول، ففيه وجهان: أحدهما: أن يكون مأخوذا من الحل الذي هو الاباحة، فالحليلة تكون بمعنى المحلة أي المحللة، ولا شك أن الجارية كذلك فوجب كونها حليلة له.
الثاني: أن يكون ذلك مأخوذا من الحلول، فالحليلة عبارة عن شيء يكون محل الحلول، ولا شك أن الجارية موضع حلول السيد، فكانت حليلة له، أما إذا قلنا: الحليلة بمعنى الفاعل ففيه وجهان أيضًا: الأول: أنها لشدة اتصال كل واحد منهما بالآخر كأنهما يحلان في ثوب واحد وفي لحاف واحد وفي منزل واحد ولا شك أن الجارية كذلك.
الثاني: ان كل واحد منهما كأنه حال في قلب صاحبه وفي روحه لشدة ما بينهما من المحبة والالفة، فثبت بمجموع ما ذكرناه أن جارية الابن حليلة، وأما المقدمة الثانية وهي أن حليلة الابن محرمة على الأب لقوله تعالى: {وحلائل أَبْنَائِكُمُ الذين} لا يقال: إن أهل اللغة يقولون: حليلة الرجل زوجته لأنا نقول: إنا قد بينا بهذه الوجوه الأربعة من الاشتقاقات الظاهرة أن لفظ الحليلة يتناول الجارية، فالنقل الذي ذكرتموه لا يلتفت إليه.
فكيف وهو شهادة على النفي؟ فانا لا ننكر أن لفظ الحليلة يتناول الزوجة، ولكنا نفسره بمعنى يتناول الزوجة والجارية، فقول من يقول: إنه ليس كذلك شهادة على النفي ولا يلتفت إليه. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {الذين مِنْ أصلابكم} احترازًا عن المتبني، وكان المتبني في صدر الإسلام بمنزلة الابن، ولا يحرم على الإنسان حليلة من ادعاه ابنا إذا لم يكن من صلبه، نكح الرسول صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية وهي بنت أميمة بنت عبد المطلب، وكانت زينب ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن كانت زوجة زيد بن حارثة، فقال المشركون: إنه تزوج امرأة ابنه فأنزل الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} [الأحزاب: 4] وقال: {لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37]. اهـ.